عدد المساهمات : 103 السٌّمعَة : 5 تاريخ التسجيل : 15/03/2013 العمر : 43 الموقع : الولايات المتّحدة الأمريكيّة
موضوع: ليلة القبض على النصاب الذي اخترع الحكامة الجيدة! الإثنين أبريل 02, 2018 9:20 am
ليلة القبض على النصاب الذي اخترع الحكامة الجيدة! الخميس 21 فبراير 2013 - 16:05
لو كنت مسؤولا في هذا البلد لحاكمت الشخص الذي اخترع لنا مصطلحات من قبيل الحكامة الجيدة والمقاربة التشاركية وغيرها من الكلمات التي لا يفهمها أحد ويدعي الجميع أنه يفهمها ويطالب في نفس الوقت بتطبيقها.
ربما حصل هذا الشخص على مال كثير مقابل ترجمته الرديئة لشيء مفهوم في لغته الأصلية، وتركنا نحن نردد كالحمقى أخطاءه، في الوقت الذي ذهب فيه ليتمتع بما حاز عليه وليضحك من غباء المغاربة، الذين يعتقدون أن خلف هذه المصطلحات سرا خطيرا، وأن ممارسة السياسة لا تستقيم إلا باستعمالها. المشكل أننا أصبحنا نتظاهر باستيعابنا وفهمنا لهذه الكلمات لئلا نتهم بالجهل، والمثير للضحك أن كثيرا من المرشحين في الانتخابات وعددا من الوزراء اعتادوا دائما على إشهار الحكامة الجيدة والمقاربة التشاركية في أي حديث لهم وفي أي حوار صحفي، وفي كل مشروع يقدمونه.
ومع الوقت صارت ممارسة السياسة في المغرب تعني الغموض، ولأن جزءا كبيرا من الذين يشتغلون بالسياسة جاهلون وأميون، فهم يحرصون أشد الحرص على النطق بالحكامة الجيدة والمقاربة التشاركية، كي لا يشك فيهم أحد، ويطالبهم بشهادة رسمية تثبت مستواهم التعليمي.
أحيانا أقول مع نفسي إني الوحيد الذي لا يفهم، وأنه علي أن أتعلم، كي أواكب ما يحدث في المغرب، وأحاول أن أفك لغز هذه الحكامة وأن أعود إلى أصلها اللغوي، لكن دون جدوى، وفي نهاية المطاف، أترجمها من العربية إلى العربية، وأفترض أنها تعني التدبير الجيد، وهي كلمة مفهومة لي، وربما لا مشكلة فيها، ويفهمها غير الضالعين في العلم من أمثالي.
المثير للضحك والاستغراب في نفس الوقت أن أشخاصا محترمين يلحون دون حرج على لوك الحكامة الجيدة، فتتبعهم الحكومة والجمعيات والصحافة مرددة ذلك مثل الببغاء، لتكتشف بعد ذلك أن المغرب هو الدولة الوحيدة في العالم التي يستعمل فيها قاموس غامض للتعبير عن أشياء واضحة جدا، ولا تحتاج إلى كل هذا التعقيد.
إلى جانب محاربة الفساد والاستبداد، يجب على المناضلين في هذا البلد المطالبة برأس ذلك الشخص الذي جاءنا بالحكامة الجيدة والمقاربة التشاركية لأول مرة، وخدع الدولة والأحزاب والأغلبية والمعارضة ووسائل الإعلام، ولن يحصل استقرار في المغرب من وجهة نظري الخاصة إلا بعد القبض عليه وتقديمه للمحاكمة.
لقد ظهر وكنتيجة للحكامة الجيدة نصابون ومحتالون يؤسسون جمعيات، ويضعون من جملة برامجهم ومشاريعهم العمل على تعزير الحكامة الجيدة والمقاربة التشاركية، وكم من جمعية ومؤسسة حصلت على الدعم بتوظيف تلك الكلمات والمصطلحات الأقرب إلى الطلاسم.
مشكلة السياسة في المغرب أنها مترجمة بشكل سيء ومليئة بالأخطاء، حتى أن البعض يظن أن من فعل ذلك قام به عن قصد، حتى لا يفهم أحد ولكي يعم التعتيم والغموض، وحين نبني على الأخطاء فإننا لا نجني إلا الأخطاء، والحكامة الجيدة هي أن نحاسب من اخترعها في البداية وضحك علينا جميعا، وأن نرغمه على أن يشرح لنا ماذا كان يعني بها بالضبط، ولماذا لم يختر كلمة مفهومة، وما الغاية التي كان يسعى إليها من وراء ذلك، ومن هي الجهات التي شجعته على ارتكاب جريمته، حتى لا يتكرر ذلك مرة أخرى، وحتى لا نطبع مع الإفلات من العقاب، ومع عفا الله عما سلف، ولكي تكون الحاكمة الجيدة حاكمة جيدة فعلا، وليست مجرد طلسمان يلجأ إليه كل من أراد أن يقضي غرضا ما ويصل إلى غاية في نفسه.